في رحلة إسمها حياة، مشيت باحثا عن معان أو على الأقل معنى لوجودي. بين تجارب و أسفار، بين لقاء و فراق، بين عمل و أمل، تخبطني رياح الأقدار لأجد نفسي في عوالم مختلفة، أواجه فيها مواقف في بعض، و أواجه فيها نفسي في بعض ٱخر. كثيرا ما إستوقفتني مراحل تجعلني أستشعر أني موجود لسبب وغاية. هاته المراحل مختلفة و قد تكون متباينة، لكن منها واحدة لا يمكن أن أختلف مع نفسي عنها و هي لذة السعي.
قبل أن نخوض في جوهر لذة السعي، دعنا يا صديقي نعود بالزمن للوراء، أحكي لك كيف برمجت وهما لأكون محاربا مقاتلا حتى أكون سعيدا. نمضي حياتنا نتعلم، و إحاداها في المدرسة. هاته الأخيرة لم تدخر جهدا لتلققننا أن السعادة في نشوة النجاح، والنجاح عندها هو التنافس على المراتب.
من هنا، كان الناجع من يصل ألا و الفاشل من يصل أخيرا. الأمر أشبه بألعاب أولامبية يتنافس فيها الجميع في كل الرياضات، فتجد رافع الأثقال ينافس في مسابقة الجري، و فريق كرة القدم ينافس بعضه في مباريات ملاكمة.
هاته المنظومة قد تجعل تشعر بالقلق والتوتر الدائم، و تجعلك تتجنب المخاطر و تخشى الفشل، وبالتالي تفقد الفرصة للاستمتاع بلذة السعي نحو الهدف.
و أنت تقرأ هذا الكلام، قد يخطر ببالك أن كاتبه “فاشل في هاته المنظومة” يبحث لنفسه عن أعذار واهية. كلا يا صديقي، كان لي نصيب من العديد من الميداليات في أولامبيات الدراسة رغم تنوعها. و كثيرا ما كانت لي لحظات سعادة و أنا أنهي سباقات دراسية و عملية بميدالية ذهبية. لكن حينها كنت واهيا أن التوفيق مني و أنا صانعه، و أن سعادتي في الوصول…
دعني أحكي لك قصة لعلها تختزل لك ما غاب بين كلماتي. منذ سنوات، شددت العزم لأتسلق جبلا. فكان الهدف جبل توبقال، أعلى قمة في شمال إفريقيا. الطريق طويل و شاق، و الأمر يتطب ساعات طويلة من المشي. سأعفيك من التفاصيل، لنصل إل لحظة الوصول إلى القمة، لحظة النشوة. لا أخفيك أنك تحس بشيء من السعادة حين تصل بعد كل الجهد و المثابرة. و مع ذلك حين تعود أدراجك و تلملم أفكارك، تجد أن ما بقي لك من السعادة هي لذة السعي إلى القمة.
كان من الممكن ألا أصل لو رفض الجبل ذلك لعدة أسباب لا أحيطها، أو تخلى عني جسدي لأسباب لا أملك لها حيلة. هاته الفكرة قد تبدو بسيطة، لكنها قد تكون نقطة فاصلة لإدراكك للحياة. الفكرة هنا و ببساطة، أننا لا نملك أن نغير العالم، و أن للكون قاعد ثابثة لا حول لنا فيها و لا قوة. نحن هنا نتفاعل مع هاته القواعد، و بقدر الأثر الذي نضعه أو نصنعه في العالم، نشكل أنفسنا و ذواتنا.
لذة السعي تتمثل في التحدي الشخصي و العمل الذاتي الذي يواجهك أثناء المشي نحو هدفه، فهو يشعرك بشيء ما زرع بداخلك و عليك العمل و التركيز لتنميته. الفكرة البسيطة هنا أنك لم تخلق عبثا و أنك منحت بذرة هدف و غاية. من هنا، أن تدرك أن لا البداية لك و لا الوصول منك، لكن السعي عليك، يجعل لذة السعي تنير طريقك و تجعلك تستمتع بكل مرحلة و تجربة و لقاء.
تذكر، فقط أن ما قرأته ليس حقيقة، فلا أحد يملكها. تتعدد الحقيقة بتعدد التجارب و المعارف. لكل منا رحلة و طريق مختلف كليا. لكن و مع ذلك تتقاتع طرقات السعي ليؤثر كل منا في الٱخر بشكل بديع.
إن وصلت لهاته الكلمات فشكرا لك، ممتن و سعيد أنك جزء من هاته الرحلة، وأننا بين هاته الكلمات إلتقينا.